الالمام بفضائل الشام
الحمد لله الذى رفع منار دين الإسلام ، وأعز جنده وجعلهم منصورين على مر الدهور والأيـام ، تبصرة وذكـرى لأولى النهى والأفهام . وأشهد أن لا إله إلا الله العزيـز العلام ، ذو العزة والبقاء ، والإجلال والإكرام .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بأحكم شرائع الأحكام ، والماحى بنبوته معالم الأوثان والأزلام ، صلى الله عليه صلاة دائمة مقرونة بالبقاء والدوام ، وعلى آله وصحبه البررة الكرام .
وبعد ..
فإنى لما طالعت كتاب (( فضائل الشام )) للحافظ أبى عبد الله بن عبد الهادى المقدسى ، رأيته قد أودعه من المناكير والضعاف ما كان ينبغى له أن ينأى عن ذكرها فى هذا المقام ، ففى الباب كثرة كاثرة من الصحاح والحسان مما يُستغنى بها عما لا يُحمد ذكره وتستغرب روايته ، فضلا عن نسبته للصادق المصدوق صلَّى الله عليه وسلَّم ، سيما وهـو المحدث الناقد ، والحافظ الحاذق ، والجبل الراسخ ، الذى لا نظير له فى الحفظ والإحاطة ، وتمييز صحاح الأحاديث عن ضعافها .
ولست بصدد نقد أحاديث كتابه ، ولكن أذكر أنَّ من أنكرها وأضعفها :
( أولا ) حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً (( دخل إبليس العراق فقضى بها حاجته ، ثم جاء الشام فطردوه حتى بلغ بشاق ، ثم دخل مصر فباض فيها وفرَّخ ، وبسط عبقريه )) ، وقد عزاه للطبرانى ه .
وأقول : هذا الحديث أخرجه الطبرانى (( الكبير ))(12/340/13290) و(( الأوسط )) (6/286/6431) ، وأبو الشيخ بن حيان (( العظمة ))(5/1687) ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/318) ، وابن الجوزى (( الموضوعات ))(2/58) من طرق عن ابن وهب أخبرنى يحيى بن أيوب وابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الزهرى عن يعقوب بن عتبة عن ابن عمر مرفوعا به .
قلت : هذا حديث منكر ، أعاذ الله عزَّ وجلَّ الزهرى أن يحدِّث بمثله ، تفرد به عنه عقيل ابن خالد الأيلى ، لم يروه عنه غير يحيى بن أيوب وابن لهيعة . ولهذا الإسناد آفتان :
( أولهما ) الانقطاع ، فإن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس لم يسمع من ابن عمر .
( ثانيهما ) المخالفة ، فقد روى من وجهين آخرين عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا .
فقد أخرجه ابن عساكر (1/318) من طريق عباد بن كثير الثقفى البصرى عن سعيد بن بشير عن قتادة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مرفوعاً بنحوه .
وأخرجه (1/318) من طريق عباس بن أبى شملة عن موسى بـن يعقوب الزمعى عـن زيد ابن أبى عتاب عن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن ابن عمر قال : نزل الشيطان بالمشرق فقضى قضاءه ، ثم خرج يريد الأرض المقدسة الشام فمنع ، فخرج على بشاق حتى جاء المغرب ، فباض بيضة وبسط بها عبقريه .
قلت : فأما المرفوع ، ففيه عباد بن كثير البصرى متروك الحديث ذاهب الحديث . قال أحمد : روى أحاديث كذب . وقال يحيى بن معين : ليس بشئٍ لا يكتب حديثه . وقال البخارى : تركوه .
ولعل الموقوف أشبه بالصواب ، رجاله موثقون خلا عباس بن أبى شملة المدنى مولى طلحة ابن عمر بن عبيد الله ابن معمر التيمى ؛ ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(8/509) .
وذكره البخارى (( التاريخ الكبير ))(7/8/32) ، وابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل )) (6/217) ، فلم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلاً .
( ثانياً ) حديث على بن أبى طالب . أخرجه أحمد (1/112) قال : حدثنا أبو المغيرة ثنا صفوان حدثني شريح يعني ابن عبيد قال ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا : العنهم يا أمير المؤمنين ، قَالَ : لا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( الأَبْدَالُ يَكُونُونَ بِالشَّامِ ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلاً ، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ مَكَانَهُ رَجُلاً ، يُسْقَى بِهِمُ الْغَيْثُ وَيُنْتَصَرُ بِهِمْ عَلَى الأَعْدَاءِ ، وَيُصْرَفُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ بِهِمُ الْعَذَابُ )) .
وقال أبو عبد الله الحافظ : لم أر فى ذكر الأبدال حديثا متصلاً أحسن من هذا الحديث .
قـلت : وقد أخرجه كذلك أحمد فى (( فضـائل الصحابة ))(1727) ، وابن عساكر (1/289) ، والمقدسى (( المختارة ))(2/110/484) جميعا بهذا الإسناد مثله .
وهذا الإسناد منقطع ، فإن شريح بن عبيد الشامى لم يسمع من على بن أبى طالب . وقد روى بإسنادين آخرين مرفوعا :
( الأول ) أخرجه ابن أبى الدنيا (( الأولياء ))(8) : نا أبو الحسين الواسطي خلف بن عيسى نا يعقوب بن محمد الزهري نا مجاشع بن عمرو عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن عبد الله بن زرير عن علي قال : سألت رسول الله عن الأبدال ، قال : (( هم ستون رجلا )) ، قــلت : يا رسول الله جلهم لي ؟ ، قال : (( ليسوا بالمتنطعين ، ولا بالمبتدعين ، ولا بالمتعمقين ، لم ينالوا ما نالوا بكثرة صيام ، ولا صلاة ، ولا صدقة ، ولكن بسخاء النفس وسلامة القلوب والنصيحه لأئمتهم ، إنهم يا علي من أمتي أقل من الكبريت الاحمر )) .
وهذا حديث كذب من وضع مجاشع بن عمرو ، فإنه أحد الكذابين . قال ابن حبان : كان ممن يضع الحديث على الثقات ويروي الموضوعات عن أقوام ثقات لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار للخواص .
( الثانى ) أخرجه الطبرانى (( الأوسط ))(4/176/3905) ، وابن عساكر (1/334) من طريقين عن الوليد بن مسلم وزيد بن أبى الزرقاء عن ابن لهيعة نا عياش بن عباس القتبانى عن عبد الله بن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( يكون في آخر الزمان فتنة يحصَّل فيها الناس كما يحصَّل الذهب في المعدن ، فلا تسبوا أهل الشام ولكن سبُّوا شرارهم ، فان فيهم الأبدال ، يوشك أن يُرسل على أهل الشام سيب من السماء ، فيغرق جماعتهم ، حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم ، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات ، المكثر يقول هم خمسة عشر ألفاً ، والمقل يقول هم اثنا عشر ألفاً ، أمارتهم : أمت أمت ، يلقون سبع رايات ، تحت كل راية منها رجل يطلب الملك ، فيقتلهم الله جميعا ، ويرد الله الى المسلمين ألفتهم ونعمتهم وقاصيهم ودانيهم )) .
وهذا وهم وخطأ ، إذ رواه ابن لهيعة حال اضطرابه واختلاطه ، فخالف الثقات الأثبات . فقد رواه الحارث بن يزيد الحضرمى ـ أحد أثبات ثقات المصريين ـ عن عبد الله بن زرير عن على موقوفا ، ولم يرفعه .
أخرجه ابن عساكر (1/335) من طريـق أحمد بن منصور الرمادى نا عبد الله بن صالح حدثنى أبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافرى أنه سمع الحارث بن يزيد ثنى عبد الله بن زرير أنه سمع على بن أبى طالب يقول : لا تسبوا أهل الشام ، فإن فيهم الأبدال .
وما صحَّ من أسانيده موقوفا على على بن أبى طالب ، ليس فيه ذكر عددهم ولا أوصافهم وهو بها أشبه بالصحة منه مرفوعا .
فقد أخرج ابن المبارك (( الجهاد ))(192) عن معمر عن الزهري قال أخبرني صفوان بن عبد الله بن صفوان أن رجلا قال يوم صفين : اللهم العن أهل الشام ، فقال علي : لا تسبوا أهل الشام جما غفيرا ، فإن فيهم قوما كارهون لما ترون ، وإن فيهم الأبدال .
وأخرجه الضياء (( المختارة ))(2/112) من طريق صالح بن كيسان عن الزهرى حدثني صفوان بن عبد الله بن صفوان أن عليا قام بصفين وأهل العراق يسبون أهل الشام فقال : فذكر نحوه .
والحديث يروى من غير وجهٍ عن على موقوفاً ، والحديث موقوفا عن على بن أبى طالب أصح وأشهر .
( بيان وإيقاظ ) أحاديث الأبدال كلها أباطيل ومناكير وغرائب واضطراب شديد ، ولا يصح منها كبير شئٍ .
قال الحافظ ابن القيم فى فصل عقده لأحاديث مشهورة لا تصح من (( نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول ))(ص127) : (( ومن ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب ما فيها حديث (( لا تسبوا أهل الشام ، فإن فيهم البدلاء ، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر )) ذكره أحمد ، ولا يصح أيضا فإنه : منقطع )) اهـ .
وأما قول الجلال السيوطي في (( النكت )) : (( خبر الأبدال صحيح فضلا عما دون ذلك ، وإن شئت قلت متواتر . وقد أفردته بتأليف استوعبت فيه طرق الأحاديث الواردة في ذلك )) فمن مراكب الإعتساف ، والمباعدة عن مواقع الإنصاف ، إذ ليس فيما ذكره حديثا واحداً تنتهض به الحجة لما ادعاه .
وأنا ذاكر بعون الله وتوفيقه جملة من الأحاديث التى ذكرَها ، ومبين آفاتِها وعللَها :
( الأول ) حديث عوف بن مالك :
أخرجه الطبرانى (( الكبير ))(18/65/120) ، وابن عساكر (( التاريخ ))(1/290) كلاهما من طريق عمرو بن واقد نا يزيد بن أبى مالك عن شهر بن حوشب قال : لما فتحت مصر سبوا أهل الشام ، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ، ثم قال : يا أهل مصر ، أنا عوف بن مالك لا تسبوا أهل الشام ، فإني سمعت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( فيهم الأبدال ، وبهم تنصرون ، وبهم ترزقون )) .
هذا الحديث كذب كأنه موضوع ، وإنما يعرف بعمرو بن واقد أبى حفص الدمشقى ؛ مولى بنى أمية ، وهو هالك تالف . قال أبو مسهر على بن مسهر : ليس بشيء كان يكذب . وقال البخارى والترمذى : منكر الحديث . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث منكر الحديث . وقال يعقوب بن سفيان عن دحيم : لم يكن شيوخنا يحدثون عنه . قال : وكأنه لم يشك أنه كان يكذب . وقال الدارقطني والنسائى والبرقانى : متروك الحديث . وقال ابن حبان : يقلب الأسانيد ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك .
ومن مناكيره ، بل أباطيله وموضوعاته ، ما أخرجه الطبرانى(( الكبير ))(20/35/162) ، وابن عدى ( 5/118) والبيهقى (( شعب الإيمان ))(6/479/8974) جميعا عن عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( من أطعم مؤمنا حتى يشبعه من سغب أدخله الله بابا من أبواب الجنة ، لا يدخله إلا من كان مثله )) .
قال ابن أبى حاتم (( علل الحديث ))(2/179/2031) : (( سألت أبي عن حديث رواه هشام بن عمار عن عمرو بن واقد ثنا يونس بن ميسرة بن حليس عن أبي ادريس عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من أشبع جائعا )) الحديث بنحوه . قال أبي : هـذا حديث كأنه موضوع .
ولا أعلم روى أبو إدريس عن معاذ إلا حديثا واحدا ، وعمرو ضعيف الحديث )) اهـ .
( الثانى ) حديث عبادة بن الصامت ، وله طريقان :
[ الطريق الأولى ] أخرجها أحمد (5/322) قال : ثنا عبد الوهاب بن عطاء أنا الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( الأَبْدَالُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاثُونَ ، مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَكَانَهُ رَجُلاً )) .
قال عبد الله بن أحمد : (( قَالَ أَبِي رَحِمَه الله : حَدِيثَ عَبْدِ الْوَهَّابِ هَذَا مُنْكَرٌ )) .
وأخرجه كذلك الهيثم بن كليب (( المسند )) ، والخلال (( كرامات الأولياء ))(2) ، وأبـو نعيم (( أخبار أصبهان ))(1/180) والخطيب (( تالى تلخيص المتشابه ))(1/248) ، وابن عساكر (1/292) جميعا من طريق الحسن بن ذكوان به .
قلت : وهذا حديث منكر كما قال الإمام أحمد ، وله ثلاث آفات :
( الأولى ) عبد الواحد بن قيس ، وإن وثقه ابن معين والعجلى وأبو زرعة الدمشقى ، لكنه لا يُعتبر برواية الضعفاء عنه . قال أبو حاتم : يكتب حديثه وليس بالقوى . قال البخارى : عبد الواحد بن قيس قال يحيى القطان : كان الحسن بن ذكوان يحدث عنه بعجائب . وقال ابن حبان فى (( المجروحين )) : عبد الواحد بن قيس شيخ يروي عن نافع روى عنه الأوزاعي والحسن بن ذكوان ، ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلا يجوز الاحتجاج بما خالف الثقات ، فإن اعتبر معتبر بحديثه الذي لم يخالف الأثبات فيه فحسن . وقال فى (( الثقات )) : لا يعتبر بمقاطيعه ولا بمراسيله ولا برواية الضعفاء عنه ، وهو الذي يروي عن أبي هريرة ولم يره .
( الثانية ) الانقطاع ، فإن عبد الواحد بن قيس إنما أدرك عروة ونافع ، وروايته عن أبى هريرة مرسلة ، كما قال البخارى وابن حبان . فعلى هذا فهو لم يدرك عبادة بن الصامت ولم يره .
( الثالثة ) الحسن بن ذكوان يحدث عن عبد الواحد بن قيس بعجائب ، كما قال يحيى القطان وعلى بن المدينى والبخارى . وقال ابن معين : كان صاحب أوابد . وقال الأثرم : (( قـلت لأبى عبد الله أحمد بن حنبل : ما تقول فى الحسن بن ذكوان ؟ ، قال : أحاديثه أباطيل ! يروى عن حبيب بن أبى ثابت ولم يسمع من حبيب ، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطى )) .
ولما كان الحسن بـن ذكوان موسوماً بالتدليس مشهوراً به ، فـقد أورد له ابـن عـدى فى (( كامله ))(5/125) أربعة أحاديث دلَّسها عن عمرو بن خالد الواسطى الكذاب الوضاع .
وواحدة من هذا العلل الثلاث تكفى فى الحكم على حديث عبادة بنفى ثبوته فضلا عن صحته ، ومنه تعلم أن قول الحافظ الهيثمى (( مجمع الزوائد ))(10/62) : (( رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد بن قيس ، وقد وثقه العجلي وأبو زرعة وضعفه غيرهما )) ، وأقره السيوطى والمناوى وغيرهما ، أبعد شئٍ عن الصواب !! ، وذلك لما ذكرناه آنفاً .
وأما قوله الحسن بن ذكوان من رجال الصحيح ، فالجواب عنه ما وصفه به الإمام أحمد من التدليس عن الكذابين ورواية الأباطيل . فإن قيل : قد أخرج البخارى له فى (( كتاب المناقب )) من (( صحيحه ))(4/139. سندى ) قال : حدثنا مسدد حدثنا يحيى ـ يعنى القطان ـ عن الحسن بن ذكوان حدثنا أبو رجاء حدثنا عمران بن حصين عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ )) .
فربما يكتفى بعضهم بما ذكره الحافظ ابن حجر فى (( هدى السارى )) بقوله : (( والحسن بن ذكوان تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما ، وليس له فى البخارى سوى هذا الحديث برواية القطان عنه مع تعنته فى الرجال ، ومع ذلك فهو متابعة )) ! .
وأقـول : وتمام هذا التوجيه وكماله أن نقول :
(1) أن الحسن بن ذكوان قد صرَّح فى الحديث بالسماع ، فانتفت تهمة تدليسه .
(2) أن كون الحديث من رواية يحيى القطان عنه ، وهو أعرف الناس بما يصح من حديثه ، وما ينكر ، فهو من صحاح حديثه . وقد قال أبو أحمد بن عدى : (( أن يحيى القطان حدَّث عنه بأحرفٍ ، ولم يكن عنده بالقوى )) .
ومما يفيده هذا التوجيه : أن انتقاء الصحيح من أحاديث الضعفاء والمجروحين هو مما توافرت عليه همم الجهابذة النقاد أمثال : يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بـن مهدى ، ويحيى بـن معين ، والبخارى ، وأبى حاتم وغيرهم من أئمة هذا الشأن .
[ الطريق الثانية ] أوردها ابن كثير (( التفسير ))(1/304) من طريق ابن مردويه قال : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن جرير بن يزيد حدثنا أبو معاذ نهار بن عثمان الليثي أخبرنا زيد بن الحباب أخبرني عمرو البزار عن عنبسة الخواص عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الأبدال في أمتي ثلاثون ، بهم ترزقون ، وبهم تمطرون ، وبهم تنصرون )) ، قال قتادة إني لأرجو أن يكون الحسن منهم .
قال الحافظ الهيثمى (( مجمع الزوائد ))(10/63) : (( رواه الطبرانى من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص ، وكلاهما لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح )) .
قلت : ومع جهالة رواته عن قتادة ، فقد خولفوا على رفعه . رواه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال : لن تخلو الأرض مـن أربعين ، بهم يغاث الناس ، وبهم تنصرون ، كلما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلاً .
أخرجه هكذا ابن عساكر (( التاريخ ))(1/298) من طريق عمران بن محمد الخيزرانى عن عبد الوهاب به .
( الثالث ) حديث أنس بن مالك ، وله أربع طرق :
[ الطريق الأولى ] أخرجها ابن عدى (5/220) حدثنا محمد بن زهير بن الفضل الأبلي ثنا عمر بن يحيى الأبلي ثنا العلاء بن زيدل عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( البدلاء أربعون اثنان وعشرون بالشام ، وثمانية عشر بالعراق ، كلما مات منهم واحد بدل الله مكانه آخر ، فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم ، فعند ذلك تقوم الساعة )) .
وأخرجه كذلك ابن عساكر (( التاريخ ))(1/291) ، وابن الجوزى (( الموضوعات )) (3/151) كلاهما من طريـق ابن عدى به .
قلت : هذا إسناد مظلم وحديث موضوع ، لا يحل ذكره إلا تعجباً ولا كتابته إلا تحذيراً .
قال الحافظ الذهبى (( الميزان ))(5/123) : (( العلاء بن زيدل الثقفي بصري روى عن أنس بن مالك كنيته أبو محمد تالف . قال ابن المديني : كان يضع الحديث . وقال أبو حاتم والدارقطني : متروك الحديث . وقال البخاري وغيره : منكر الحديث . وقال ابن حبان : يروي عن أنس بن مالك بنسخة موضوعة لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل التعجب )) . وذكر هذا الحديث من مناكيره ، وقال : (( وهذا باطل )) .
[ الطريق الثانية ] أخرجها ابن عدى (6/289) من طريق محمد بن عبد العزيز الدينوري ثنا عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن الحسن عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بسخاء الأنفس وسلامة الصدور )) .
قال أبو أحمد : (( وهذا الحديث بهذا الإسناد ليس يعرف إلا بابن عبد العزيز الدينوري ، وهو من الأحاديث التي أنكرت عليه )) .
قـلت : والدينورى ليس بثقة ولا مأمون ، ينفرد عن الثقات بالمقلوبات ، ويأتى بالبلايا والطامات ، كأنه المتعمد لها . وهذا الحديث رواه جماعة من الضعفاء عن الحسن البصرى ، واختلفوا عليه ، فمرة عـن أنس ، وثانـية عن أبى سعيد الخدرى ، وثالثة عن الحسن مرسلاً ، ولا يصح منها كبير شئٍ .
[ الطريق الثالثة ] أخرجها ابن الجوزى (( الموضوعات ))(3/152) من طريق أبى عمر الغدانى عن أبى سلمة الحرانى عن عطاء عن أنس قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة ، كلما مات رجل بدل الله مكانه رجلاً ، وكلما ماتت امأرة أبدل الله مكانها امرأة )) .
قال أبو الفرج : (( وفى إسناده مجاهيل )) يعنى أبا سلمة وأبا عمر لا يعرفان !! .
[ الطريق الرابعة ] أخرجها ابن عساكر (( التاريخ ))(1/292) من طريق نوح بن قيس الحدانى عن عبد الله بن معقل عن يزيد بن أبان الرقاشى عن أنس عن النبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( دعائم أمتى عصائب اليمن ، وأربعون رجلاً من الأبدال بالشام . كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً ، أما إنهم لم يبلغوا ذلك بكثرة صلاةٍ ، ولا صيامٍ ، ولكن بسخاوة الأنفس ، وسلامة الصدور ، والنصيحة للمسلمين )) .
قلت : هذا إسناد واهٍ بمرة . قال الحافظ الذهبى (( الميزان ))(4/204) : (( عبد الله بن معقل بصري عن يزيد الرقاشي . لا يدرى مـن ذا ؟! . روى عنه نوح بن قيس فقط )) . وأما يزيد بن أبان الرقاشى فمتروك الحديث ذاهب الحديث . قال ابن حبان : (( كان يقلب كلام الحسن فيجعله عن أنس عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو لا يعلم ، فلما كثر في روايته ما ليس من حديث أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاج به ، فلا تحل الرواية عنه إلا على سبيل التعجب ، وكان قاصا يقص بالبصرة ، ويبكي الناس ، وكان شعبة يتكلم فيه بالعظائم )) .
( الرابع ) حديث عبد الله بن عمر :
أخـرجه أبو نعيم (( الحلية ))(1/8) ، وابـن عساكر(( تاريخ دمشق ))(1/303،302) ، وابن الجوزى (( الموضوعات )) (3/151) سعيد بن أبي زيدون ثنا عبد الله بن هارون الصوري ثنا الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خيار أمتي في كل قرن خمسمائة ، والأبدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ، ولا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله من الخمسمائة مكانه ، وأدخل من الأربعين مكانهم )) ، قالوا : يا رسول الله دلنا على أعمالهم ؟ ، قال : (( يعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساءهم ، ويتواسون فيما آتاهم الله )) .
قال أبو الفرج : (( موضوع ، وفيه مجاهيل )) ، يعنى الصورى ، وابن أبى زيدون لا يعرفان .
وقال الحافظ الذهبى (( الميزان ))(4/217) : (( عبد الله بن هارون الصوري عن الأوزاعي . لا يعرف . والخبر كذب في أخلاق الأبدال )) ، وأقرَّه ابن حجر فى (( لسان الميزان )) (3/369) .
( الخامس ) حديث أبى هريرة :
أخرجه ابن حبان (( المجروحين ))(2/61) ، وابن الجوزى (( الموضوعات ))(3/151) من طريق عبد الرحمن بن مرزوق الطرسوسى عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن ، بهم تغاثون ، وبهم ترزقون ، وبهم تمطرون )) .
قال أبو حاتم بن حبان : (( هذا كذب . عبد الرحمن بن مرزوق بن عوف أبو عوف ؛ شيخ كان بطرسوس يضع الحديث لا يحل ذكره إلا علي سبيل القدح فيه )) .
( السادس ) حديث أبى سعيد الخدرى :
أخرجه البيهقى (( شعب الإيمان ))(7/439/10893) من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى أنا سلمه بن رجاء عن صالح المري عن الحسن عن أبي سعيد الخدري أو غيره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بالأعمال ، ولكن إنما دخلوها برحمة الله ، وسخاوة الأنفس وسلامة لجميع المسلمين )) .
قلت : وهذا حديث منكر ، وله ثلاث آفات :
( الأولى ) صالح بن بشيرٍ المرى القاص ، منكر الحديث جداً يحدث عن قوم ثقات أحاديث مناكير . قـال أحمد : كان صاحب قصص يقص ليس هو صاحب آثار وحديث ولا يعرف الحديث . وقال عمرو بن علي الفلاس : هو رجل صالح منكر الحديث جداً ، يحدث عن الثقات بالأباطيل والمنكرات . وقال البخاري : منكر الحديث ذاهب الحديث . وقال السعدي : واهي الحديث . وقال النسائي : متروك الحديث .
( الثانية ) الانقطاع ، فإن الحسن البصرى لم يسمع أبا سعيد الخدرى . قال الحافظ أبو سعيد العلائى (( جامع التحصيل ))(1/163) : (( قال علي بن المديني : رأى الحسن أم سلمة ، ولم يسمع منها ، ولا من أبي موسى الأشعري ، ولا من الأسود بن سريع ، ولا من الضحاك بن سفيان ، ولا من جابر ، ولا من أبي سعيد الخدري ، ولا من ابن عباس ، ولا من عبد الله بن عمر ، ولا من عمرو بن تغلب ، ولم يسمع مـن أبي برزة الأسلمي ، ولا من عمران بن حصين ، ولا من النعمان بن بشير ، ولم يسمع من أسامة بن زيد شيئا ، ولا من عقبة بن عامر ، ولا من أبي ثعلبة الخشني )) .
قـلت : وهذا كما قال ؛ إلا سماعه من عمرو بن تغلب . ففى (( كـتاب الجهاد )) مـن (( صحيح البخارى ))(2/157. سندى ) : حدثنا أبو النعمان حدثنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول حدثنا عمرو بن تغلب قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ ، وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ )) .
( الثالثة ) المخالفة ، فقد رواه جماعة عن صالح المرى عن الحسن مرسلا ، وسلمة بن رجاء التيمي الكوفي صدوق يغرب ، ويتفرد بما لا يتابع عليه .
فقد أخرجه البيهقى (( شعب الإيمان ))(7/439) من طريق يحيى بن يحيى أنا صالح المري عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن بدلاء أمتي .. )) بنحوه ، هكذا مرسلاً .
( السابع ) حديث عبد الله بن مسعود :
أخرجه أبو نعيم (( الحلية ))(1/8) ، ومن طريقه ابن الجوزى (( الموضوعات ))(3/150) من طريق محمد بن السرى القنطري ثنا قيس بن إبراهيم بن قيس السامري ثنا عبد الرحمن بن يحيى الأرمني ثنا عثمان بن عمارة ثنا المعافى بن عمران عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال : قال رسـول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إن لله عزَّ وجلَّ في الخلق ثلاثمائة ، قلوبهم على قلب آدم عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق أربعون ، قلوبهم على قلب موسى عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق سبعة ، قلوبهم على قلب ابراهيم عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق خمسة ، قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق ثلاثة ، قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق واحد ، قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام ، فاذا مات الواحد أبدل الله عز وجل مكانه من الثلاثة ، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة ، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة ، وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين ، وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة ، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة ، فبهم يحيي ويميت ، ويمطر وينبت ، ويدفع البلاء )) ، قيل لعبد الله بن مسعود : كيف بهم يحيي ويميت ؟ ، قال : (( لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون ، ويدعون على الجبابرة فيقصمون ، ويستسقون فيسقون ، ويسألون فتنبت لهم الأرض ، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء )) .
قال أبو الفرج : (( إسناده مظلم ، كثير من رجاله مجاهيل ليس فيهم معروف )) .
قلت : وبقية أحاديث الأبدال مراسيل لا تنتهض بمثلها الحجة ، كيف وقد بان أن المرفوعات كلها واهية بمرة .
ولست براغبٍ فى بيان كل ما ينتقد على أحاديث الكتاب ، ولكنى أقول : قد كان بوسع الحافظ أبى عبد الله المقدسى مجانبة هذا المناكير والأباطيل ، بل والضعاف المستغنى عنها بما هو أصحُّ منها . ومن أمثلة ذلك مما أودعه كتابه :
( أولاً ) رواية عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبى أمامة عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( الشام صفوة الله من بلاده ، إليها يجتبي صفوته من عباده ، فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه ، ومن دخلها من غيرها فبرحمته )) ، ولم يعلِّق عليها الحافظ بشئٍ.
وقد أخرجها الطبرانى (( الكبير ))(8/171/7718) ، والحاكم (4/555) ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/119) جميعا من طريق الوليد بن مسلم نا عفير بن معدان به .
قلت : وهذا إسناد واهٍ بمرة ، وعفير بن معدان الحمصى بيِّن الأمر فى المجروحين ، حتى قال أبو حاتم الرازى : (( يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبى أمامة عن النَّبيِّ بالمناكير ، وما لا أصل له ، لا يشتغل بروايته )) . وقال أبو حاتم بن حبان : (( ممن يروي المناكير عن أقوام مشاهير ، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بأخباره )) .
ومثل هذا الإسناد لا يصلح الاستشهاد به ، وإن وافق فى بعض معناه الأحاديث الصحيحة ، فإن فيه من المبالغة ما لا نعرفه فى مقابله الصحيح ، وهذا بعض معنى الحديث المنكر .
( ثانياً ) رواية أبي صالح الخولاني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله ، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله ، لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة )) ، ولم يعلِّق عليها بشئٍ .
وقد أخـرجها أبو يعلى (11/302/6417) ، والطبرانى (( الأوسط ))(1/19/47) ، وابن عساكر (1/254) من طريق إسماعيل بن عياش عن الوليد بن عباد عن عامر الأحول عن أبي صالح الخولاني به .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ، الوليد بن عباد أحد شيوخ ابن عياش المجاهيل . أنكر أبو أحمد بن عدى فى (( الكامل ))(7/84) جملة من أحاديثه ، وقال : ليس بمستقيم ، وعامة ما يرويه ليس بالمعروف .
ولست بمنتقصٍ حق الحافظ المقدسى لانتهاضه فى هذا المقام ، ولكنى مثنٍ عليه بما أبداه من جميل الاهتمام ، وساعٍ فى استنجاز ما بدأه والاستتمام ، والله المعين بتوفيقه على بلوغ المرام . وقد اقتصرت فى ذا المختصر على الأحاديث الصحاح ، وسميته بعد الفراغ منه والإتمام :
وبنيته على عشرة أبوابٍ ، هاكها :
( الباب الأول ) بيان أن أهل الشام لا يزالون على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة .
( الباب الثانى ) دعاء النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للشام بالبركة ، وما يُرجى بإجابة دعوته لأهلها من رفع السوء .
( الباب الثالث ) بيان ابتلاء أهل الشام بالطاعون ليكون لهم شهادة ورحمة .
( الباب الرابع ) بيان اختصاص الشام بما يبسط عليها من أجنحة ملائكة الرحمن .
( الباب الخامس ) بيان أن الشام تكون دار الإيمان والإسلام عند وقوع الفتن والملاحم العظام.
( الباب السادس ) بيان أن عقر دار المؤمنين فى آخر الزمان الشام .
( الباب السابع ) بيان أن الشام فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى .
( الباب الثامن ) بيان أن خير الأجناد فى آخر الزمان بالشام وأن الله تكفل بهم .
( الباب التاسع ) بيان أن هلاك الدجال فى آخر الزمان يكون بالشام .
( الباب العاشر ) بيان أن الشام هى أرض المحشر والمنشر .
وشرطى فى هذا التصنيف ؛ ذكر أصح ما فى هذه الأبواب من الأحاديث المرفوعات ، دون ما عداها من المراسيل والمقطوعات ، والآثار الموقوفات ، وابتدأت كل حديث بذكره مسنداً معزواً إلى أوثق مصادره ، وأعقبت ذلك بذكر تخريجه فى المصنفات الأخرى على وجه الاقتضاب ، من غير إخلال ولا إسهاب .
وقد وقع فى ثنايا أسانيد هذه الأحاديث ؛ جماعة من مشاهير رواة الشاميين الرفعاء ، الذين لا يسئل عن أمثالهم ، لاستفاضة شهرتهم وشيوع معرفتهم ، ولربما ذكرت تراجم موجزات لبعضهم ، ولم أطل فى ذكر مناقبهم .
قال أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف الربعي : أخبرنا عبد الصمد بن سعيد القاضي نا سليمان بن عبد الحميد البهراني قال سمعت يحيى بن صالح يقول سمعت إسماعيل بن عياش يقول : لما أن خرجت من عند المهدي لقيني هشيم بن بشير ، فقال لي : يا أبا عتبة جزاك الله عن الإسلام خيرا ، سمعت أشياخنا يقولون : صالحوكم خير من صالحينا ، وطالحوكم خير من طالحينا .
والله تعالى أرجو فى قبول صالح الأعمال ، والتجاوز عما يسوء المرء من الأفعال والأقوال . والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على محمد وآله أولى الفضل والمكرمات .
الباب الأول
بيان أن أهل الشام لا يزالون على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة
(1) قال الإمام البخارى (( كتاب المناقب ))(3641. فتح ) : ثنا الحميدي ثنا الوليد ـ يعنى ابن مسلم ـ قال حدثني ابن جابر حدثني عمير بن هانئ أنه سمع معاوية يقول : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( لا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ )) ، قَالَ عُمَيْرٌ : فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ : قَالَ مُعَاذٌ : وَهُمْ بِالشَّأْمِ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ : وَهُمْ بِالشَّأْمِ .
وأخـرجه كذلك أبـو يعلى (13/375/7383) ، وأبو عوانة (4/506/7501) ، واللالكائى (( أصول الاعتقاد ))(165،166) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(5/159) ، وابن حزم (( الإحكام )) (4/527) ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/261) من طرق عن الوليد بن مسلم به .
قال أبو محمد : هذا حديث صحيح مشهور ، يروى من غير وجهٍ عن معاوية . وهو مشهور مستفيض عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عمير بن هانئٍ عن معاوية ، رواه عنه : الوليد بن مسلم ، ويحيى بن حمزة بن واقد ، والوليد بن مزيد البيروتى ، وبشر بن بكر التنيسى ، وصدقة بن خالد .
(2) وقال الإمام أحمد (4/101) : ثنا إسحاق بن عيسى ثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عمير بن هانئ حدثه قال : سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر يَـقُولُ : سَمِعْتُ رَسُـولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَـقُولُ : (( لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ )) ، فَقَامَ مَالِكُ بْنُ يَخَامِرٍ السَّكْسَكِيُّ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ : وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَرَفَعَ صَوْتَهُ : هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ : وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ .
وأخرجه كذلك مسـلم (13/66. نووى ) ، والطبرانى (( مسند الشاميين ))(1/315/554) ، وابن حزم (( الإحكام ))(4/527) ، وابن عساكر (1/262) من طرق عن يحيى بن حمزة به نحوه .
وأخرجه أبو عوانة (4/506/7502،7501) ، وابن عساكر (1/264،263) كلاهما من طريقى الوليد بن مزيد وبشر بن بكر ، والطبرانى (( الشاميين ))(1/315/554) من طريق صدقة بن خالد ، ثلاثتهم ـ الوليد وبشر وصدقة ـ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به بنحوه .
(3) قال الترمذى (2192) : حدثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود ثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلا خَيْرَ فِيكُمْ ، لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .
قال أبو محمد : وهو حديث مستفيض مشهور عن شعبة ، رواه عنه جمع من الأثبات : أبو داود الطيالسى ، ويحيى بن سعيد القطان ، ومحمد بن جعفر غندر ، ويزيد بن هارون ، ووكيع ، وعلى بن الجعد ، وصدقة بن المنتصر ، والربيع بن يحيى بن مقسم الأشنانى ، وأسد بن موسى ، وعمران بن إسحاق أبو هارون البصرى .
أخرجه كذلك الطيالسى (1076) ، وأحمد (3/436 و5/35،34) ، والبزار (3303) ، والرويانى (946) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(2/333) ، وابن حبان (7303،7302) ، والطبرانى (( الكبير ))(19/27/56) ، والإسماعيلى (( معجم شيوخه ))(2/679) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(2/357) ، والخطيب (( الـتاريخ ))(8/417و10/182) ، وبيبى بنت عبد الصمد الهرثمية (( جزء بيبى ))(44) ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/308:305) من طرق عن شعبة به .
وقال الحافظ ابن عساكر : (( تفرد به شعبة عن معاوية بن قرة بن إياس . وقد رواه أبو عتبة إسماعيل ابن عياش العنسي الحمصي ، وهو من أقران شعبة ، عن رجل عن شعبة )) .
قلت : بل رواه كذلك إياس بن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده .(1)
ــــــــ
(1) أخرجه أبو نعيم (( الحلية ))(7/230) من طريق إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن إياس بن معاوية عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إذا فسد أهل الشام فلا )) .
وأما حديث إسماعيل بن عياش ، فقد حدَّثه عمران بن إسحاق أبو هارون البصرى عن شعبة به .
أخرجه هكذا بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية (( جزء بيبى ))(44) ، ومن طريقها ابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/308:305) من طريق بشر بن بكر التنيسى عن ابن عياش به .
قـلت : وعمران بن إسحاق أبو هارون البصرى غـير مشهور ، تفرد عنه ابن عياش . وذكره ابن حبان فى (( كتاب الثقات ))(8/497/14646) وقال : (( شيخ مستقيم الحديث )) .
ـــــــــ
= وهذا الإسناد واهٍ بمرة ، إسماعيل بن يحيى هو ابن عبيد الله التيمى . قال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات وما لا أصل له عن الاثبات ، لا تحل الرواية عنه بحال . وقال ابن عدى : عامة ما يرويه أباطيل . وقال الدارقطني : كذاب متروك . وقال الأزدي : ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه .
قـلت : ولما كان بهذه المثابة من الضعف لم أذكره بالأصل .
الباب الثانى
دعاء النبى صلَّى الله عليه وسلَّم للشام بالبركة
وما يرجى بإجابة دعوته لأهلها من رفع السوء والبليات
(4) قال الإمام البخارى فى (( كتاب الفتن ))(4/227) : ثنا علي بن عبد الله ثنا أزهر بن سعد عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال : ذكر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : (( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا )) ، قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ، قَالَ : (( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا )) ، قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ، فَأَظنُه قَالَ فى الثالثة : (( هُنَالِكَ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ )) .
(5) وقال الترمذى (3953) : حدثنا بشر بن آدم ابن ابنة أزهر السمان حدثني جدي أزهر السمان عن ابن عون عن نافع عـن ابن عمر : أَنَّ رَسُـولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( اللَّهُمَّ بَـارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا )) قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ، قَالَ : (( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا )) ، قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ، قَالَ : (( هُنَاكَ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ وَبِهَا ـ أَوْ قَالَ ـ مِنْهَا يَخْرُجُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ )) .
قال أَبو عِيسَى الترمذى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيـثِ ابْنِ عَوْنٍ )) .
وأخرجه كذلك أحمد (( المسند ))(2/118) و(( فضائل الصحابة ))(1724) ، وأبو يعلى (1/87/78) ، وابن حبان (7301) ، والصيداوى (( معجم الشيوخ ))(ص325) ، وأبو عمرو الدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(46) ، والذهبى (( تذكرة الحفاظ ))(3/836) و(( سير الأعلام )) (12/524) من طرق عن أزهر بن سعد السمان عن ابن عون به مثله .
قال أبو محمد : حديث ابن عون أصح شئٍ فيه وأجود ، ولهذا أخرجه إمام المحدثين ، ولكن لم يتـفرد ابن عون عن نافع ، فقد رواه عنه كذلك : عبد الرحمن بن عطاء بن كعب وهو مصرى ثقة ، وأبو عبيد حاجب سليمان بن عبد الملك . وروى عن ابن عمر من غير وجهٍ .
(6) قال الإمام أحمد (2/90) : ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا سعيد ـ يعنى ابن أبى أيوب ـ ثنا عبد الرحمن بن عطاء عن نافع عن ابن عمر : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا )) مَرَّتَيْنِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : وَفِي مَشْرِقِنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مِنْ هُنَالِكَ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ، وَبِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ )) .
وأخـرجه كذلك الطبرانى (( الأوسـط ))(2/249/1889) مـن طريق ابن وهب ثنى سعيد بن أبى أيوب به نحوه ، وزاد (( وبه الداء العضال )) .
وقال أبو القاسم : (( لم يـرو هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عطاء إلا سعيد بن أبي أيوب تفرد به ابن وهب )) .
قلت : قد علمت أن أبا عبد الرحمن المقرئ تابعه عن ابن أبى أيوب .
الباب الثالث
بيان ابتلاء أهل الشام بالطاعون ليكون لهم شهادة ورحمة
(7) قال الإمام أحمد (5/81) : حدثنا يزيد ـ يعنى ابن هارون ـ ثنا مسلم بن عبيد أبو نصيرة سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام بِالْحُمَّى وَالطَّاعُونِ ، فَأَمْسَكْتُ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ ، وَأَرْسَلْتُ الطَّاعُونَ إِلَى الشَّامِ ، فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لأُمَّتِي ، وَرَحْمَةٌ لَهُمْ ، وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِينَ )) .
قال أبو محمد : هذا حديث ثلاثى صحيح ، وأبو نصيرة مسلم بن عبيد الواسطى ثقة . رأى أنساً وأبا عسيب ، وروى عنه يزيد بن هارون ، وهشيم .
وأخرجه كذلك ابن سعد (( الطبقات الكبرى ))(7/61) ، والحارث بن أبى أسامة (255. زوائد الهيثمى ) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(1/342) ، وبحشل (( تاريخ واسط ))(ص43) ، والطبرانى (( الكبرى ))(22/391/974) ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/357) من طرق عن يزيد بن هارون بمثله .
(8) وقال يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(1655) : عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ ، لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَأَ قَـدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَأَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ ، فَاخْتَلَفُوا ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ ، وَلا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَإِ ، فَقَالَ عُمَرُ : ارْتَفِعُوا عَنِّي ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِي الأَنْصَارَ ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلافِهِمْ ، فَقَالَ : ارْتَفِعُوا عَنِّي ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ رَجُلانِ ، فَقَالُوا : نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ ، وَلا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَإِ ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ : إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ ؛ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ ، فَقَالَ عُمَرُ : لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ؛ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَـدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ ؛ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ ، فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ : إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ الله ِ؟ ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ )) ، قَالَ : فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ ، ثُمَّ انْصَرَفَ .
وأخرجه كذلك أحمد (1/194) عن إسحاق بن عيسى ، والبخارى (4/15. سندى ) عن عبد الله ابن يوسف ، ومسلم (14/208. نووى) عن يحيى بن يحيى التميمى ، والبزار (3/204/989) عن روح بن عبادة ، وأبو يعلى (837) عن معن بن عيسى ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/303) عن ابن وهب ، والهيثم بن كليب الشاشى (( مسنده )) (237،235) عن القعنبى ، وابن حبان (2953) عن أبى مصعب الزهرى ، واللالكائى (( أصول الاعتقاد ))(1192) عن القعنبى ومصعب الزبيرى ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(15/175) عن يحيى بن بكير ، عشرتهم عن مالك به بهذا التمام والسياق .
( بيـان ) قوله (( حتى إذا كان بسَرْغَ )) ؛ قال أبو زكريا النووى : (( أما سَرْغُ ـ فبسين مهملة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم غين معجمة ـ وحكى القاضى وغيره أيضا : فتح الراء والمشهور إسكانها ، ويجوز صرفه وتركه ، وهى قرية فى طرف الشام مما يلى الحجاز . والمراد بالأجناد هنا مدن الشام الخمس وهى : فلسطين ، والأردن ، ودمشق ، وحمص ، وقنسرين )) .
وأما الوباء ، فطاعون عمواس الذى وقع بالشام سنة ثمان عشرة . ذكـر المدائني عن العجلاني عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان قال : مات في طاعون عمواس ستة وعشرون ألفا . ويقال : مات فيه من آل صخر عشرون فتى ، ومن آل الوليد بن المغيرة عشرون فتى . وممن مات فيه من الصحابة : أبو عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، والفضل بن العباس بن عبد المطلب ، ويزيد بن أبى سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى ، وسهيل بن عمرو ، وابنه أبو جندل بن سهيل ، وكثير من فضلاء الصحابة .
وقال بعض بنى المغيرة فيمن مات منهم فى طواعين الشام وقتذاك :
من ينزلُ الشامَ ويعرسُ به فالـشامُ إن لم يُـفننا كـاربُ
أفنى بنى ريطة فرسـانهم عشرين لم يقصص لهم شاربُ
ومن بنى أعمامهم مثـلهم لمثل هـذا يعجـب العاجـبُ
طعنٌ وطاعـونٌ منـاياهُمُ ذلك مـا خـطَّ لنـا الكاتـبُ
(9) وقال أحمد (5/240) : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الأَحْدَبِ قَالَ : خَطَبَ مُعَاذٌ بِالشَّامِ فَذَكَرَ الطَّاعُونَ فَقَالَ : (( إِنَّهَا رَحْمَةُ رَبِّكُمْ ، وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ ، وَقَبْضُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمُ ، اللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَى آلِ مُعَاذٍ نَصِيبَهُمْ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ )) ، ثُمَّ نَـزَلَ مِـنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ ، فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : (( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )) ، فَقَالَ مُعَاذٌ : (( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ )) .
قال أبو محمد : رجال هذا الإسناد ثقات كلهم غير أبى سعيد مولى بنى هاشم ، فإنه صدوق ربما أخطأ . ولكنه لم يتفرد ، فقد تابعه جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول .
أخرجه الطبرانى (( الكبير ))(20/121/243) قال : ثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن عاصم بن سليمان به نحوه .
(10) قال الإمام أحمد (5/184) : حدثنا يحيى بن إسحاق أخبرنا يحيى بـن أيوب ثنا يزيد بـن أبي حبيب أن عبد الرحمن بن شماسة أخبره أن زيد بن ثابت قال : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ ، إِذْ قَالَ : (( طُوبَى لِلشَّامِ )) ، قِيلَ : وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ ، قَالَ : (( إِنَّ مَلائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا )) .
(11) وقال أبو حاتم بن حبان (7304) : أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم ثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث وذكر آخر معه عن يزيد ابـن أبي حبيب عـن ابن شماسة أنه سمع زيد بن ثابت يقول : قال رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَومَاً وَنَحْنُ عِنْدَه : (( طُوبَى لِلشَّامِ ، إِنَّ مَلائِكَةَ الرَّحْمَنِ لبَاسِطَةٌ أَجْنِحـَتَهَا عَلَيْهَا )) .
قال أبو محمد : هذا حديث صحيح ، وهو حديث عبد الرحمن بن شماسة المهرى عن زيد بن ثابت . رواه عنه : عمرو بن الحارث ، ويحيى بن أيوب الغافقى ، وعبد الله بن لهيعة . وعبد الرحمن بن شماسة أبو عمرو المهرى ؛ مصرى تابعى ثقة ، سمع جلَّة من الصحابة : عمرو بـن العاص ، وعقبة بن عامر ، وزيد بـن ثابت ، وعبد الله بن عمرو ، وغيرهم .
وأخـرجه كذلك ابـن أبى شيبة (6/409/32466) ، والـترمذى (3954) ، والطبرانى (( الكبير )) (5/158/4933) ، والحاكم (2/249) ، والبيهقى (( شـعب الإيمان ))(2/432/2311) ، وابـن عساكر (( التاريخ ))(1/127:125) من طرق عن يحيى بن أيوب ثنا يزيد بن أبى حبيب به .
وأخـرجه الطبرانى (( الكبير ))(5/158/4935) ، وابن عساكر (1/127) كلاهما من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبى حبيب به .
وأخرجه أحمد (5/184) عن حسن بن موسى ، الطبرانى (( الكبير ))(5/185/4934) عن عمرو بن خالد ، وابن عساكر (1/127، 128) عن حسن وعمرو والوليد بن مسلم ، ثلاثتهم عن ابن لهيعة عن يزيد به .
قال أبـو القاسم الطبرانى (( مسند الشاميين ))(1/179/308) : حدثنا أبو زرعة وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقيان قالا ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ثنا سعيد بن عبد العزيز عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قـال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فأتبعته بصري ، فإذا هو نور ساطع إلى الشام )) .
(13) وقال (1/180/309) : ثنا محمد بن النضر الأزدي ثنا معاوية بن عمرو عـن أبي إسحاق ـ يعنى الفزارى ـ عن سعيد بن عبد العزيز ثنا ابن حلبس عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إني رأيت أن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فأتبعته بصري ، فإذا هو نور ساطع عُمد به إلى الشام ، ألا وإنَّ الإيمان إذا وقعت الفتن في الشام )) .
(14) وقال (1/181/310) : ثنا أحمد بن المعلى الدمشقي ثنا هشام بن عمار ح وحدثنا إبراهيم بن دحيم ثنا أبي ح وحدثنا ورد بن أحمد بن لبيد ثنا صفوان ابن صالح ، قالوا : ثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إني رأيت أن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فأتبعته بصري ، فإذا هو نور ساطع حتى ظننت أنه مذهوب به ، فعُمد به إلى الشام ، وإني رأيت أن الفتن إذا وقعت أن الإيمان بالشام )) .
قال أبو محمد : هذا حديث شامى صحيح . رواه جمع من أثبات ثقات الشاميين عن سعيد بن عبد العزيز التنوخى عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن ابن عمرو . ويونس بن ميسرة بن حلبس الجبلانى الحميرى ، ثقة عابد مقرئ رفيع القدر ، أدرك وسمع جلة من الصحابة : معاوية ، وابن عمرو ، وواثلة ، وأم الدرداء .
وسعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي ، فقيه أهل دمشق ومفتيهم بعد الأوزاعي ؛ ثقة ثبت ورع فاضل ، سوَّاه الإمام أحمد بالأوزاعى ، وجعلهما أثبت أهل طبقتهما ، وقدَّمه أبو مسهر الدمشقى عليه . وقال أبو زرعة الدمشقي : سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق هو حجة ؟ ، فقال : هو صـدوق ، ولكن الحجة عبيد الله بـن عمر ، والأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز . وقال مسعود بن علي السجزي سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول : سعيد بن عبد العزيز لأهل الشام كمالك بن أنس لأهل المدينة في التقدم والفضل والفقه والأمانة .(1)
وقد رواه عن سعيد بن عبد العزيز : أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزارى ، ويحيى بن صالح الوحاظى ، والوليد بن مسلم ، ومروان بن محمد الطاطرى ، ومحمد بن معاذ بن عبد الحميد الدمشقيين ، وسعيد بن مسلمة بن هشام الأموى ، وعمرو بن أبى سلمة التنيسى .
وأخـرجه كذلك أبو نعيم (( الحلية ))(5/252) ، وابن عساكر (1/104) ، والذهبى (( سير الأعلام ))(8/37) من طرق عن يحيى بن صالح الوحاظى به .
وأخـرجه الحارث بن أبى أسامة (1041. زوائد الهيثمى ) ، وابن عساكر (1/102) كلاهما من طريـق أبى إسحاق الفزارى به .
وأخرجه ابن عساكر (1/104،103،102) من طرق عن الوليد بن مسلم ومروان بن محمد ومحمد ابن معاذ وسعيد بن مسلمة ، أربعتهم عن سعيد بن عبد العزيز به بنحوه .
وأخرجه الحاكم (4/555) من طريق عمرو بن أبى سلمة التنيسى عن سعيد به نحوه .
وخالف سبعتهم : عقبة بن علقمة بن خديج المعافرى ، فرواه (( عن سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس الكلابى عن ابن عمرو )) ، وهو وهم ، والمحفوظ رواية الجماعة .
وتابع يونس عن ابن عمرو : مدرك بن عبد الله الأزدى ، وأبو إدريس الخولانى . وإسناد حديثيهما ليس بالقائم ، وحديث سعيد بن عبد العزيز عن يونس عن ابن عمرو أصح شئٍ فيه وأحسن .
ــــــــ
(1) ترجمته وافية بما لا مزيد عليها فى (( تاريخ دمشق ))(21/213:193) .
(15) وقال الإمام أحمد (( المسند ))(5/198) و(( فضائل الصحابة ))(1717) : ثنا إسحاق بن عيسى ثنا يحيى بن حمزة عـن زيد بـن واقد حدثني بسر بن عبيد الله حدثني أبو إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال : قال رسُـولُ الله صلى الله عليه وسلم : (( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي ، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلا وَإِنَّ الإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ )) .
قال أبو محمد : هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه ، لا نعلمه عن زيد بن واقد عـن بسر بن عبيد الله الحضرمى عن أبى إدريس عن أبى الدرداء إلا من حديث يحيى بن حمزة .
ويحيى بن حمزة بن واقد ، أبو عبد الرحمن الحضرمي ، قاضي دمشق للمنصور والمهدي ، صدوق صالح الحديث ، وقد وثقه دحيم ويعقوب بن شيبة وأبو داود والنسائى والعجلى وابن حبان ، واحتج به البخارى ومسلم . وزيد بن واقد أبو عمرو الدمشقى ، فما فوقه أثبات ثقات رفعاء رجال البخارى .(1)
وقد رواه عـن يحيى بن حمزة : إسحق بن عيسى بن الطباع ، وعبد الله بن يوسف التنيسى ، وهشام ابن عمار .
وأخرجه الطبرانى (( مسند الشاميين ))(2/207/1198) عن هشام بن عمار به نحوه .
وأخرجه ابن عساكر (1/108،107) عن هشام وإسحق وابن يوسف ، ثلاثتهم عن يحيى بن حمزة به .
وخالف ثلاثتهم : أبو توبة الربيع بن نافع ، فرواه (( عن يحيى بن حمزة عن ثور بن يزيد عن بسر )) ، والحديث برواية الجماعة أصح إسناداً وأثبت ، والربيع بن نافع ثقة حجة بلا خلاف ، ولكنه خالف .
وللحديث شواهد عن جماعة آخرين من الصحابة : عمر بن الخطاب ، وعمرو بن العاص ، وعبد الله ابن عمر ، وعبد الله بن حوالة ، وأبى أمامة الباهلى ، وعائشة .
ــــــ ـ
(1) فقد أخرج البخارى فى (( المناقب )) حديث زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن عائذ الله أبي إدريس عن أبي الدرداء قال : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ ، حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ )) ، فَسَلَّمَ ... فذكر القصة إلى أن قال : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ ، فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي )) مَرَّتَيْنِ ، فـَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا .
الباب السادس
بيان أن عقر دار المؤمنين فى آخر الزمان الشام
(16) قال الإمام أحمد (4/104) : ثنا الحكم بن نافع ثنا إسماعيل بن عياش عن إبراهيم بن سليمان ـ يعنى الأفطس ـ عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي سَئِمْتُ الْخَيْلَ ، وَأَلْقَيْتُ السِّلاحَ ، وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، قُلْتُ : لا قِتَالَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( الآنَ جَاءَ الْقِتَالُ ، لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ ، يُزِيغُ اللهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ ، وَيَرْزُقُهُمُ اللهُ مِنْهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، أَلا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ ، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) .
(17) وقال أبو عبد الرحمن النسائى(( الكبرى ))(3/35/4401) و(( المجتبى )) (6/214) : أخبرنا أحمد بـن عبد الواحد ثنا مروان وهو ابن محمد ثنا خالد بن يزيد بن صالح بـن صبيح المري ثـنا إبراهيم بـن أبي عبلة عـن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل الكندي قـال : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ! أَذَالَ النَّاسُ الْخَيْلَ ، وَوَضَعُوا السِّلَاحَ ، وَقَالُوا : لا جِهَادَ ، قَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، فَأَقْبَـلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ ، وَقَالَ : (( كَذَبُوا . الآنَ الآنَ جَاءَ الْقِتَالُ ، وَلا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ، وَيُزِيغُ اللهُ لَهُمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ ، وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ ، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ يُوحَى إِلَيَّ أَنِّي مَقْبُوضٌ غَيْرَ مُلَبَّثٍ ، وَأَنْتُمْ تَتَّبِعُونِي أَفْنَادًا ، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ، وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ )) .
(18) وقال الطبرانى (( مسند الشاميين ))(2/320/1419) : ثنا هاشم بن مرثد الطبراني ثنا صفوان بن صالح ثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر حدثني الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير عـن سـلمة بن نفيل قال : (( فُتحَ على رسُولِ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم فتحٌ ، فأتيتُ رسُولَ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، فدنوتُ منه ، حتى كادتْ ثيابي تمسُّ ثيابَه ، فقلت : يا رسُولَ اللهِ ! سيبت الخيل ، وعطلوا السلاحَ ، وقالوا : قد وضعتْ الحربُ أوزارَها ، فقال رسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم : (( كذبوا ؛ الآنَ حلَّ القِتَالُ ، لا يَزَالُ اللهُ يُزِيغُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ تقاتلونهم ، فقاتلوا بهم ، وَيَرْزُقُكُمُ اللهُ مِنْهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وهُمْ على ذلك ، ألا وَعُقْرُ دَارِ الإسلامِ بالشَّامِ )) .
قال أبو محمد : هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه ، لا نعلم رواه عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل السكونى غير الوليد بن عبد الرحمن الجرشى . ورواه عن الجرشى : إبراهيم بن أبى عبلة ، وإبراهيم بن سليمان الأفطس ، ومحمد بن المهاجر الأنصارى من رواية الوليد بن مسلم عنه . رواه عن ابن مسلم هكذا : صفوان بن صالح ، وهشام بن عمار ، وسليمان بن عبد الرحمن ، وعمرو بن عثمان ، وأحمد بن عبد الرحمن بن بكار البسرى عنه.
وخالفهم داود بـن رشيد ، فرواه عنه (( عن ابن مهاجر عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشى عن جبير عن النواس بن سمعان )) ، فجعله من حديث النواس(1)، والمحفوظ حديث سلمة بن نفيل السكونى التراغمى . وقد خالفه خمسة من أثبات أصحاب الوليد بن مسلم ، فجعلوه من حديث سلمة كما بيناه بعاليه .
وأخرجه البخارى (( الـتاريخ الكبير ))(4/70/1990) عن عبد الله بن صالح ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/411) ، وابن عساكر (1/117) كلاهما عن إسماعيل بن عياش ، ــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان (7307) ، وابن عساكر (1/117،116) من طريقين عن داود بن رشيد نا الوليد بن مسلم عن ابن مهاجر عن الوليد الجرشى عن جبير بن نفير عـن النواس بـن سمعان مرفوعا بنحو رواية سلمة ابـن نفيل .
والطبرانى (( الكبير )) (7/53/6358) عـن إسماعيل بـن عياش وعبد الله بن صالح ، كلاهما عن إبراهيم بن سليمان الأفطس به .
وأخـرجه الطبرانى (( الكـبير ))(7/52/6357) و(( مسند الشاميين ))(57) ، وابن عساكر (1/115) كلاهما عن هانئ بن عبد الرحمن بن أبى عبلة عن عمه إبراهيم بن أبى عبلة به .
وأخرجه الطبرانى (( الشاميين ))(1419) عن صفوان بن صالح ، وابن سعد (( الطبقات )) (7/427) عن سليمان بن عبد الرحمن ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(5/83) عن عمرو بن عثمان ، وابن عساكر (1/116) عن هشام بن عمار وابن بكار البسرى ، خمستهم عن الوليد بن مسلم حدثنى محمد بن مهاجرعن الوليد الجرشى عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل به .
الباب السابع
بيان أن الشام فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى
(19) قال الإمام أحمد (6/25) : حدثنا أبو المغيرة ثـنا صفوان بن عمرو ثنا عبد الرحمن ابن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : عَوْفٌ ، فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : ادْخُلْ ، قُلْتُ : كُلِّي أَوْ بَعْضِي ، قَالَ : بَلْ كُلُّكَ ، قَالَ : يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ، أَوَّلُهُنَّ مَوْتِي ، قَالَ : فَاسْتَبْكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْكِتُنِي ، قُلْتُ : إِحْدَى ، وَالثَّانِيَةُ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، قُلْتُ : اثْنَيْنِ ، وَالثَّالِثَةُ مُوتَانٌ يَكُونُ فِي أُمَّتِي يَأْخُذُهُمْ مِثْلَ قُعَاصِ الْغَنَمِ ، قَالَ : ثَلاثًا ، وَالرَّابِعَةُ فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي أُمَّتِي وَعَظَّمَهَا ، قُلْ : أَرْبَعًا ، وَالْخَامِسَةُ يَفِيضُ الْمَالُ فِيكُمْ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى الْمِائَةَ دِينَارٍ فَيَتَسَخَّطُهَا ، قُـلْ : خَمْسًا ، وَالسَّادِسَةُ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْـفَرِ ، فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةً ، قُلْتُ : وَمَـا الْغَايَةُ ؟ ، قَالَ : الرَّايَةُ ، تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ، فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ ، فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ )) .
قال أبو محمد : هذا حديث صحيح ، رجاله كلهم شاميون ثقات . وقد رواه عن صفوان بن عمرو : أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الشامى ، وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصى ، وإسماعيل بن عيَّاش . وهو مروى من غير وجهٍ عن عوف بن مالك (1) .
ــــــــ
منها ما أخرجه البخارى فى (( كتاب الجزية والموادعة ))(2/204. سندى ) قال : حدثنا الحميدي ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الله بن العلاء بن زبر سمعت بسر بن عبيد الله أنه سمع أبا إدريس قال سمعت عوف بن مالك قَالَ : أَتَـيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ ، فَقَالَ : اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ : مَوْتِي ، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ= دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ ، فَيَغْدِرُونَ ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا )) . وليس فيه ذكر (( فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ ))
(20) وقال ابن منده (( كتاب الإيمان ))(1000) : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن هاشم الأذرعي ثـنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بـن مالك قـال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو في بِنَاءٍ له فسلمتُ عليه ، فقال : يا عوف ، قلت : نعم ، قال لي : ادخل ، قلت : كلي أو بعضي ، قال : بل كلك ، فقَالَ لى : يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ .. الحديث .
قال أبو محمد : رجال هذا الإسناد شاميون ثقات كلهم . إسحاق بن إبراهيم بن هاشم الأذرعى ، أبو يعقوب النهدى أحد الثقات الرحالين من عباد الله الصالحين ، فما فوقه .
وأخرجه البزار (2742) عن أبى المغيرة ، والطبرانى (( الكبير ))(18/42/72) و(( الشاميين )) (934) ، والدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(427) كلاهما عن أبى اليمان ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/234،233) عن أبى المغيرة وأبى اليمان وابن عياش ، ثلاثتهم عن صفوان بن عمرو به .
(21) وقال الإمـام أحمد (5/197) : حدثنا إسحاق بـن عيسى ثـنا يحيى بن حمزة عـن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني زيد بن أرطاة سمعت جبير بن نفير عـن أبي الدرداء أنَّ رسُـولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ الْغُوطَةُ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ )) .
(22) وقال الطبرانى (( الشاميين ))(1313) : حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر ح وحدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي ثنا هشام بن عمار قالا : ثنا صدقة بـن خالد حدثني خالد بن دهقان عـن زيـد بن أرطاة عن جبير عن أبي الدرداء سمعت رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : (( يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها الغوطة ، فيها مَدِينَة يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ ، فهي خيْرُ مَسَاكِنِ الناسِ يومئذٍ )) .
قال أبو محمد : هذا حديث ثابت صحيح مشهور ، بل أصح أحاديث الشاميين فى الملاحم . قال إبراهيم بن الجنيد : سمعت يحيى بن معين ـ وقد ذكروا عنده أحاديث ملاحم الروم ـ فقال : ليس مـن أحاديث الشاميين شئٌ أصح مـن حديث صدقة بن خالد عـن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (( معقل المسلمين أيام الملاحم دمشق )) .
وخالد بن دهقان القرشي مولاهم ، أبو المغيرة الشامي الدمشقي شامى ثقة قليل الحديث . قال المفضل بن غسان الغلابي قال أبو مسهر : كان خالد بن دهقان ثقة كانت عنده أربعة أحاديث وأشباهها . وقال مؤمل بن إهاب عن أبي مسهر : كان على قناديل المسجد . وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم : ثقة . وقال أبو زرعة الدمشقي : نفر ثقات فذكر أولهم خالد بن دهقان القرشي .
وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات ))(6/255) .
وأخرجه أبو داود (4298) عن هشام بن عمار ، والطبرانى (( الأوسط ))(3/296) و(( الشاميين )) (589) عن هشام بن عمار وعبد الله بن يوسف ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/233:231) عن ابن عمار وابن يوسف ومنصور بن أبى مزاحم ومحمد بن المبارك الصورى ، أربعتهم عن يحيى بن حمزة عن ابن جابر به .
وأخرجه الحاكم (4/532) عن محمد بن وهب ، وابن عساكر (1/231،230) عـن أبى مسهر وهشام بن عمار ، ثلاثتهم عن صدقة بن خالد عن ابن دهقان به .
( بيان ) قوله (( فسطاط المسلمين )) ـ بضم الفاء وسكون السين المهملة وطائين مهملتين بينهما ألف ـ أي حصن المسلمين الذي يتحصنون به ، وأصله الخيمة . (( يوم الملحمة )) أي المقتلة العظمى في الفتن الكائنة قرب قيام الساعة . (( بالغوطة )) ـ بضم الغين المعجمة ـ موضع بالشام كثير الماء والشجر كائن إلى جانب مدينة دمشق بالشام .
الباب الثامن
بيان أن خير الأجناد فى آخر الزمان بالشام وأن الله عز وجل تكفل بهم
(23) قال الإمام أحمد (4/110) : حدثنا حيوة بن شريح ويزيد بن عبد ربه قالا حدثنا بقية حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن أبي قتيلة عن ابن حوالة قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ : جُنْدٌ بِالشَّامِ ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ )) ، فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ : خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَاكَ ، قَالَ : (( عَلَيْكَ بِالشَّامِ ، فَإِنَّهُ خِيرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ ، يَجْتَبِي إِلَيْهِ خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ ، وَاسْقُوا مِـنْ غُدُرِكُمْ ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ )) .
وأخرجه كذلك أبو داود (2483) ، والطبرانى (( الشاميين ))(1172) ، وابن عساكر (1/76،75) ، والضياء (( المختارة ))(9/271/232،231) من طرق عن بقية قال حدثنى بحير بن سعد السحولى به .
قال أبو محمد : هذا حديث صحيح ثابت مستفيض عن عبد الله بن حوالة الأزدى ، رواه عنه جمع من ثقات أهل الشام : أبو قتيلة مرثد بن وداعة ، والحارث بن الحارث الأزدى ، وكلاهما له صحبة ، وأبو إدريس الخولانى ، ويونس بن ميسرة بن حلبس ، وجبير بن نفير الحضرمى ، وأبو عبد السلام صالح ابن رستم ، وكثير بن مرة ، وبسر بن عبيد الله الحضرميان ، وسلمان بن سمير ، وعبد الله بن شقيق العقيلى البصرى .
(24) قـال أبـو بكر بن القاسم الهاشمى (( نسخة أبى مسهر ))(2) : حدثـنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني ثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن عبد الله بن حوالة الأزدى عن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم قال : (( إنكم ستجندون أجنادا : جنداً بالشام ، وجنداً بالعراق ، وجنداً باليمن )) ، فقال الحوالى : خر لي يا رسول الله ، قال : (( عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمينه ويسبق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله )) . فكان أبو إدريس الخولانى إذا حدث بهذا الحديــث التفت إلى ابن عامر ، فقال : من تكفل الله به فلا ضيعة عليه .
وأخرجه كذلك الطبـرانى (( الشاميين ))(337) ، وابن عساكر (1/60) ، والضياء (( المختارة )) (9/272/234،233) جميعا من طريق أبى مسهر الغسانى به .
ولسعيد بن عبد العزيز فيه شيخان ، رواه عنهما جميعاً : ربيعة بن يزيد ، ومكحول الشامى .
وقد رواه عن سعيد عن مكحول : أبو مسهر الغسانى كذلك ، وأبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمى ، والوليد بن مزيد العذرى ، وعقبة بن علقمة البيروتيان ، ومروان بن محمد الطاطرى ، وبشر بن بكر التنيسى ، وسعيد بن مسلمة الأموى .
ورواه الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة ومكحول معاً .
وأخرجه بهذه الطرق كلها ابن عساكر (( التاريخ ))(1/62:56) خلا رواية بشر بن بكر ، فقد أخرجها الحاكم (4/555) قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر الخولاني ثنا بشر بن بكر أخبرني سعيد بن عبد العزيز عن مكحول أنه حدثه عن أبي إدريس الخولاني عـن عبد الله بن حوالة أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : فذكره .
وقال أبو عبد الله : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) .
(25) قال ابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/274) : حدثنا هشام بن عمار ثنا يحيى بن حمزة ثنا نصر بن علقمة عن جبير بن نفير عن عبد الله بن حوالة قال : كنَّا عند النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فشكونا إليه الفقر والعري وقلة الشيء ، فقال : (( أبشروا ، فوالله لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من قلته ، والله لا يزال هذا حتى تفتح لكم أرض فارس والروم وأرض حمير ؛ حتى تكونوا أجنادا ثلاثة : جندا بالشام ، وجندا بالعراق ، وجندا باليمن ؛ حتى يعطي الرجل المائة الدينار فيتسخطها )) ، قال ابن حوالة : فقلت : يا رسول الله ! ومن يستطيع الشام وبها الروم ذات القرون ؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والله ليستخلفنكم الله عز وجل فيها ؛ حتى تـكون العصابة منهم البيض قمصهم ؛ المحلقة أقفاؤهم ، قياما على رأس الرجل الأسود منكم المحلوق ، ما يأمرهم فعلوا ، وإن بها اليوم لرجالا ، لأنتم أحقر في أعينهم من القردان في أعجاز الإبل )) ، قال ابن حوالة : فقلت : اختـر لي يا رسول الله إن أدركني ذلك ، قال : (( أختار لك الشام ، فإنها صفوة الله عز وجل من بلاده ، فإليها يجتبي صفوته من عباده ، يا أهل الإسلام فعليكم بالشام ، فإنَّ صفوة الله عزَّ وجلَّ من الأرض الشام ، فمن أبى فليسق بغدر اليمن ، فإن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله )) .
وأخـرجه كذلك أبـو نعيم (( الحلية ))(2/3) ، والدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(500) ، وابن عساكر (1/73) جميعا من طريق هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة به .
وتابعه عن يحيى بن حمزة : عبد الله بن يوسف ، ومحمد بن يحيى بن حمزة .
أخرجه البيهقى (( الكبرى ))(9/179) ، وابن عساكر (1/75:74) كلاهما عن ابن يوسف ، والضياء (( المختارة ))(9/278/241) عن محمد بن يحيى ، كلاهما عن يحيى بن حمزة به .
الباب التاسع
بيان أن هلاك الدجال فى آخر الزمان يكون بالشام
(26) قال الإمام أحمد (2/457) : حدثـنا محمد بن جعفر ثـنا شعبة سمعت العلاء بـن عبد الرحمن يحدث عن أبيه عن أبي هريرة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الإِيمَانُ يَمَانٍ ، وَالْكُفْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ، وَإِنَّ السَّكِينَةَ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ ، وَإِنَّ الرِّيَاءَ وَالْفَخْرَ فِي أَهْلِ الْفَدَّادِينَ : أَهْلِ الْوَبَرِ وَأَهْلِ الْخَيْلِ ، وَيَأْتِي الْمَسِيحُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ، وَهِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ ، حَتَّى إِذَا جَـاءَ دُبُرَ أُحُدٍ تَلَقَّتْهُ الْمَلائِكَةُ ، فَضَرَبَتْ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ ، هُنَالِكَ يَهْلَكُ .. هُنَالِكَ يَهْلَكُ )) .
وأخرجه مسلم (9/153. نووى ) ، وأبو يعلى (6459) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (4/47/3194) ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء به مقتصراً على ذكر المسيح .
وأخرجه الترمذى (2243) ، وابن حبان (5774) كلاهما عن الداروردى عن العلاء به تاماً .
(27) وقال الإمام مسلم (( كتاب الفتن ))(18/22:20. نووى ) : حدثني زهير ابن حرب ثنا معلى بـن منصور ثنا سليمان بن بلال ثنا سهيل عن أبيه عـن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ : خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : لا وَاللَّهِ لا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لا يُفْتَنُونَ أَبَدًا ، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ ؛ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ : إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ ، فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ ؛ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّهُمْ ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَلَوْ تَرَكَهُ لانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ )) .
وأخرجه الحاكم (4/529) ، والدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(598) كلاهما من طريق معلى ابن منصور عن سليمان بن بلال به .
(28) وقال الإمام أحمد (4/181) : حدثنا الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي بمكة إملاء قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي قال : ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِنَا ، فَسَأَلْنَاهُ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ الْغَدَاةَ فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، قَالَ : غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ، فَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ ، وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، إِنَّهُ شَابٌّ جَعْدٌ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِيَةٌ . وَقَصَّ الحديثَ إلى أنْ قَالَ : (( فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ ، إِذْ بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلام ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، فَيَتْبَعُهُ فَيُدْرِكُهُ فَيَقْتُلُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ الشَّرْقِيِّ )) ، ثم ذكر بقية الحديث .
قال أبو محمد : هذا حديـث صحيح ، بل أصح حديث للشاميين فى الدجال . وهو حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، رواه عنه : الوليد بن مسلم ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد ، ويحيى بن حمزة بن واقد ، وصدقة بن خالد ، وبشر بن بكر التنيسى .
وأخرجه مسلم (18/70:63. نووى ) ، وأبو داود (4321) ، والترمذى (2240) ، وابن ماجه (4075) ، والطبرانى (( الشاميين ))(614) ، والـحاكم (4/537) ، وابـن منده (( الإيمان )) (1027،1026) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(15/223) من طـرق عـن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر به نحوه تاماً .
(29) وقال الإمام أحمد (6/75) : ثنا سليمان بن داود ثـنا حرب بن شداد عـن يحيى بن أبي كثير قال حدثني الحضرمي بن لاحق أن ذكوان أبا صالح أخبره أن عائشة أخبرته قالت : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي ، فَقَالَ لِي : مَا يُبْكِيكِ ؟ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتُ الدَّجَّالَ فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ وَأَنَا حَيٌّ كَفَيْتُكُمُوهُ ، وَإِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ بَعْدِي ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ ، فَيَنْزِلَ نَاحِيَتَهَا ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكَانِ ، فَيَخْرُجَ إِلَيْهِ شِرَارُ أَهْلِهَا ، حَتَّى يَأْتِيَ فِلَسْطِينَ بَابَ لُدٍّ ، فَيَنْزِلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلام فَيَقْتُلَهُ ، ثُمَّ يَمْكُثَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلام فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، إِمَامًا عَدْلاً ، وَحَكَمًا مُقْسِطًا )) .
وأخرجه ابن أبى شيبة (7/490/37474) ، وعبد الله بن أحمد (( السنة ))(996) ، وابن حبان (6822) ، والدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(687) من طرق عن يحيى بن أبى كثير عن الحضرمى .
قال أبو محمد : وهذا حديث صحيح غريب ، لم يروه عن حضرمى بـن لاحق عن أبى صالح عن عائشة غير يحيى بن أبى كثير اليمامى . وهو ثقة جليل وإنما يخشى تدليسه ، وقد صرَّح بسماعه وزالت تهمته . والحضرمى بن لاحق يمامى لا بأس به قليل الحديث . قال عكرمة بن عمار : كان فقيهاً وخرجت معه سنة مائة إلى مكة . وذكره ابـن حبان فى (( الثقات ))(6/249) .
الباب العاشر
بيان أن الشام هى أرض المحشر والمنشر
(30) قال الإمام أحمد (5/3) : ثنا عفان ثـنا حماد بن سلمة أخبرنا أبو قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال : أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ عَدَدَ أَصَابِعِي هَذِهِ أَنْ لا آتِيَكَ ـ أَرَانَا عَفَّانُ وَطَبَّقَ كَفَّيْهِ ـ فَبِالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا الَّذِي بَعَثَكَ بِهِ ؟ ، قَالَ : الإِسْلامُ ، قَالَ : وَمَا الإِسْلامُ ؟ ، قَالَ : (( أَنْ يُسْلِمَ قَلْبُكَ للهِ تَعَالَى ، وَأَنْ تُوَجِّهَ وَجْهَكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى ، وَتُصَلِّيَ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، أَخَوَانِ نَصِيرَانِ ، لا يَقْبَلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَحَدٍ تَوْبَةً أَشْرَكَ بَعْدَ إِسْلامِهِ )) ، قُلْتُ : مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ ، قَـالَ : (( تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ ، وَلا تَضْرِبِ الْوَجْـهَ ، وَلا تُقَبِّحْ ، وَلا تَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ )) ، قَـالَ : (( تُحْشَرُونَ هَـاهُـنَا ـ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَحْوِ الشَّامِ ـ مُشَاةً وَرُكْبَانًا ، وَعَلَى وُجُوهِكُمْ ، تُعْرَضُونَ عَلَى الله تَعَالَى وَعَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ ، وَأَوَّلُ مَا يُعْرِبُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ )) .
قال أبو محمد : هذا حديث ثابت صحيح مستفيض ، وهو حديث حكيم بن معاوية بن حيدة القشيرى عن أبيه ، وقد رواه عنه : أبو قزعة سويد بن حجير الباهلى ، وبهز بن حكيم . وقد أتقن حماد بن سلمة متنه وسياقته ، وتابعه عليه : شبل بن عباد المكى ، وحجاج بن الحجاج الباهلى الأحول ، وثلاثتهم من الأثبات الثقات .
وأخرجه الطبرانى (( الكبير ))(19/426/1038،1037،1036) عن ثلاثتهم ـ حماد وشبل وحجاج ـ ، وابن عساكر (1/178:176) عن حماد وشبل ، جميعا عن أبى قزعة به بتمامه .
وأخرجه أحمد (4/446) ، والنسائى (( الكبرى ))(11431) كلاهما عن شبل ، والرويانى (936) والحاكم (2/478و4/609) كلاهما عن حماد ، والطبرانى (( الأوسط ))(6/275/6402) عن حجاج الباهلى ، ثلاثتهم عن أبى قزعة به .
(31) وقال أحمد (6/463) : ثنا علي بن بحر ثنا عيسى ـ يعنى ابن يونس ـ ثنا ثور عن زياد بن أبي سودة عن أخيه أن ميمونة مولاة النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ ، فَقَالَ : (( أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ ، فَإِنَّ صَلاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ )) ، قَالَتْ : أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ ؟ ، قَالَ : (( فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا ، يُسْرَجُ فِيهِ ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ )) .
حدثنا أبو موسى الهروي ثنا عيسى بن يونس بإسناده فذكر مثله .
وأخرجه إسحاق بن راهويه (( المسند ))(1/106) ، وابن ماجه (1407) ، وأبو يعلى (12/523/7088) ، والطبرانى (( الكـبير ))(25/32/55) و(( الشاميين ))(471) ، والمقدسى (( فضائل بيت المقدس ))(17) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(9/482) من طرق عن عيسى بن يونس ثنا ثور بن يزيد عن زياد بن أبى سودة عن أخيه عثمان عن ميمونة بنت سعد به مثله .
قال أبو محمد : وهذا إسـناد رجاله ثقات كلهم . قال مروان بن محمد الطاطرى : عثمان بن أبي سودة وزياد بن أبي سودة من أهل بيت المقدس ثقتان ثبتان .
وذكرهما ابن حبان فى (( الثقات ))(4/260و5/154) .
(32) قال الإمام أحمد (2/53) : ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا علي بن مبارك عن يحيى بـن أبي كثير حدثني أبو قلابة حدثني سالم بن عبد الله حدثني عبد الله بن عمر قـال : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ )) ، قَالُوا : فَبِمَ تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ ، قَالَ : (( عَلَيْكُمْ بِالشَّأْمِ )) .
وأخرجه ابن أبى شيبة (7/471/37320) ، وأحمد (2/119،99،69،8) ، والترمذى (2217) وأبو يعلى (9/405/5551) ، وابن حبان (7305) ، وابن عساكر (( التاريخ ))(1/88:83) ، والرافعى (( التدوين فى أخبار قزوين ))(3/340) من طـرق عن يحيى بن أبى كثير اليمامى ثنى أبو قلابة ثنى سالم عن أبيه به .
ورواه عن يحيى بن أبى كثير : الأوزاعى ، وحسين بن ذكوان المعلم ، وشيبان النحوى ، وعلى بن المبارك ، والحجاج بن الحجاج الباهلى ، وأبان بن يزيد العطار .
قال أبو محمد : هذا حديث من صحاح أحاديث يحيى بن أبى كثير اليمامى ، وقد تفرد به عن أبى قلابة ، وصرَّح بسماعه منه ، فانتفت تهمة تدليسه .
(33) قال الإمام مسلم (18/77:75. نووى ) : حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ثنا أبي ثنا شعبة عن النعمان بن سالم قال سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي يقول سمعت عبد الله بن عمرو ، وجاءه رجل ، فقال : مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ ، تَقُولُ إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا ؟ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهُمَا ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لا أُحَدِّثَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا ، إِنَّمَا قُلْتُ : إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا ، يُحَرَّقُ الْبَيْتُ ، وَيَكُونُ وَيَكُونُ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا ، فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ ، فَلا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلا قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ )) قَالَ : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلامِ السِّبَاعِ لا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ ، فَيَقُولُ : أَلا تَسْتَجِيبُونَ ؟ ، فَيَقُولُونَ : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ ، فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، فَلا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا )) ، قَالَ : (( وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ ، فَيَصْعَقُ وَيَصْعَقُ النَّاسُ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ ـ أَوْ قَالَ يُنْزِلُ اللهُ ـ مَطَرًا ، كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ ـ نُعْمَانُ الشَّاكُّ ـ ، فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ (( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ )) ، قَالَ : (( ثُمَّ يُقَالُ : أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ ، فَيُقَالُ : مِنْ كَمْ ؟ ، فَيُقَالُ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، قَالَ : فَذَاكَ يَوْمَ (( يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا )) وَذَلِكَ (( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ )) .
وأخرجه كذلك أحمد (2/166) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/501/11629) ، وابن حبان (7353) ، وابن منده (( الإيمان ))(1061) ، والحاكم (4/594) ، والبيهقى (( الاعتقاد )) (ص214) و(( شعب الإيمان ))(1/308/351) ، وأبو عمرو الدانى (( السنن الواردة فى الفتن )) من طرق عن شعبة عن النعمان بن سالم سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفى عن ابن عمرو .
فهرس الموضوعات
مقدمـة ............................................................................ حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً (( دخل إبليس العراق فقضى بها حاجته ، ثم جاء الشام فطردوه ....... )) الحديث ، وبيان نكارته ........................................... حديث على مرفوعاً (( الأَبْدَالُ يَكُونُونَ بِالشَّامِ ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلاً ، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ مَكَانَهُ رَجُلاً ..... )) الحديث ، وبيان انقطاعه وضعفه ...................... حديث على مرفوعاً فى صفة الأبدال ، وبيان وضعه ................................. حديث فى فتنة آخر الزمان ، وبيان شدة ضعفه ...................................... أحاديث الأبدال كلها أباطيل ومناكير وغرائب ، ولا يصح منها كبير شئٍ ........... ( الأول ) حديث عوف بن مالك ، وبيان وضعه ..................................... ( الثانى ) حديث عبادة بن الصامت ، وبيان طرقه ونكارته .......................... ( الثالث ) حديث أنس بن مالك ، وبيان طرقه الأربع وضعفها ..................... ( الرابع ) حديث عبد الله بن عمر ، وبيان وضعه ................................... ( الخامس ) حديث أبي هريرة ، وبيان أنه كذب ..................................... ( السادس ) حديث أبى سعيد الخدرى ، وبيان نكارته ................................ ( السابع ) حديث عبد الله بن مسعود ، وبيان شدة ضعفه ............................ حديث أبى أمـامة مرفوعاً (( الشام صفوة الله من بلاده ، إليها يجتبي صفوته مـن عباده ..... )) ، وبيان أنه لا يصلح للاستشهاد به ......................................... حديث أبى هريرة (( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله ، وعلى أبواب بيت المقدس )) ، وبيان ضعفه .......................................... الشرط فى هذا التصنيف ذكر أصح ما ورد فى فضائل الشام من الأحاديث المرفوعات ، دون ما عداها من المراسيل والمقطوعات .............................................. الباب الأول : بيان أن أهل الشام لا يزالون على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة ................... الباب الثانى : دعاء النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للشام بالبركة وما يُرجى بإجـابة دعوته لأهلها .... الباب الثالث : بيان ابتلاء أهل الشام بالطاعون ليكون لهم شهادة ورحمة ............................. الباب الرابع : بيان اختصاص الشام بما يبسط عليها من أجنحة ملائكة الرحمن ...................... الباب الخامس : بيان أن الشام تكون دار الإيمان والإسلام عند وقوع الفتن والملاحم العظام .......... الباب السادس : بيان أن عقر دار المؤمنين فى آخر الزمان الشام ....................................... الباب السابع : بيان أن الشام فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى .................................. الباب الثامن : بيان أن خير الأجناد فى آخر الزمان بالشام وأن الله تكفل بهم ....................... الباب التاسع : بيان أن هلاك الدجال فى آخر الزمان يكون بالشام .................................. الباب العاشر : بيان أن الشام هى أرض المحشر والمنشر .............................................. فهرس الموضوعات |
5
5
6 7 7 8 8 9 11 13 14 14 15
16
16
17
19
23
27
31
33
37
41
45
49
53 59 |
تم بحمد الله
ترتيب الخط وتلوينه وتحويلة الى صيغة كتاب الكتروني PDF
ابو امين (احمد عبدربه )
الاثنين، 21 /12 2009